لماذا يجب إجراء الانتخابات البلدية ؟

06-03-2023

مع قرب انتهاء المدة النيابية البلدية التي امتدت على خمس سنوات (2018-2023)، تعددت المواقف والقراءات حول مصير الانتخابات البلدية، ومن وراءها المجالس البلدية المنتخبة، خصوصا في ظل الضبابية العامة التي تسود المسألة وغياب أي بوادر ملموسة لاجراء الانتخابات البلدية في موعدها.

تقدم هذه الورقة خمسة أسباب مختلفة الطبيعة مترابطة الأبعاد للتأكيد على ضرورة إعادة انتخاب المجالس البلدية، لا فقط تمسكا بأهمية البعد التمثيلي بل كذلك نظر لانعكاساته على فلسفة الشأن المحلي والتوجه نحو تحسين مستوى عيش المواطنين والمواطنات، أو بلغة اللامركزية المتساكنين والمتساكنات.

  • 1- لأن المدة النيابية شارفت على الانتهاء.

من الناحية القانونية-الزمنية، انطلقت العهدة النيابية الحالية للمجالس البلدية منذ سنة 2018، تاريخ اجراء الانتخابات البلدية. وينص القانون الانتخابي في فصله 117 (رابعا) على أن “ينتخب أعضاء المجالس البلدية والجهوية لمدة نيابية بخمس سنوات. ويتم انتخابهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة النيابية ". وعليه، فان النهاية الطبيعية لدورة حياة المجالس الحالية هي سنة 2023.

إن تحديد تاريخ إجراء الانتخابات البلدية يستوجب أولا تحديد تاريخ بداية العهدة النيابية. تتعدد القراءات القانونية في هذا الموضع لتتأرجح بين يوم اجراء الانتخابات (6 ماي 2018) والإعلان عن النتائج النهائية من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (12 جوان 2018) وتاريخ تنصيب آخر مجلس بلدي (جويلية 2023(يقوم المنطق القانوني على اعتبار المباشرة الفعلية للمهام

النيابية لا تاريخ إجراء الانتخابات كنقطة بداية المدة النيابية، وهو ما ذهبت اليه سابقا هيئة الانتخابات في علاقة بالانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 عندما قدرت أن بداية المدة الرئاسية يكون انطلاقا من أداء رئيس الجمهورية اليمين أمام مجلس نواب الشعب، ويقع احتساب انطلاق المدة البرلمانية منذ تنظيم الجلسة الافتتاحية للمجلس.

لا شك أن اتباع هذا التمشي في علاقة بالانتخابات البلدية صعب التحقيق نظرا لتعدد تواريخ تنصيب المجالس البلدية، حيث أنه تم تنصيب 350 مجلس بلدية على امتداد قرابة الشهر (من جوان الى جويلية 2018). لذلك، لا يمكن تعميم تاريخ موحد لكل المجالس. وبالتالي، فان التاريخ القانوني يميل الى كفة الفرضية الثانية، أي يوم الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البلدية، بما يعنيه ذلك من النهاية القانونية للمدة الحالية يوم 12 جوان 2023.

من جهة أخرى، يشير القانون الانتخابي في فصل 101 على أن دعوة الناخبين للانتخابات البلدية تكون بمقتضى أمر رئاسي في أجل أدناه 3 أشهر قبل يوم الاقتراع. حسابيا، يعني ذلك ضرورة صدور أمر دعوة الناخبين قبل يوم 12 مارس 2023، أي في غضون 9 أيام.

  • 2- لأن الشأن المحلي يقوم في أحد أبعاده الرئيسية على التمثيلية.

إضافة الى المعطى القانوني المتعلق بضرورة احترام الآجال، يرجع التأكيد على الالتزام بالموعد الانتخابي الى الايمان بأن فسلفة الشأن المحلي تقوم على انتخاب المتساكنين والمتساكنات لمن يمثلهم بكامل الحرية سعيا لتحقيق الصالح العام وفقا لمبدأ التدبير الحر وفي إطار وحدة الدولة.

بهذا المعنى، يمثل الانتخاب بشكل عام أداة هامة تتيح الامكانية لصاحب السيادة الأصلي من ممارسة سيادته عن طريق ممثليه. وللانتخاب على المستوى المحلي أهمية مؤكدة بالنظر الى علاقة القرب التي تربط المُنتخب بالمُنتخَب في إطار رقعة ترابية صغيرة الحجم، على خلاف الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تتميز إجمالا بضعف الرابط المباشر الذي يصبغ العلاقة بين الطرفين.

في نفس البعد العلائقي، فان طبيعة المهمة والرهانات على المستوى المحلي تختلف بشكل كبيرا مع المستوى الجهوي والوطني. فالهدف من وراء وجود المؤسسة البلدية، مجلسا وإدارة، هو السعي الى تحقيق الصالح العام المحلي بما يعنيه ذلك لا فقط من جهد لتقديم خدمات أفضل بل خاصة النهوض بالمنطقة البلدية تنمويا على مختلف الأصعدة وما سيترب عنه ضرورة من تحسين لمستوى وجودة عيش المتساكنين والمتساكنين. بعبارة أخرى، فان طبيعة هذه المهمة تتطلب اعترافا بخصوصيات كل منطقة واسناد السهر على تحقيق هذه المهمة الى أناس منتخبين لا معينين، تجسيدا لفكرة الخصوصية وتسهيلا للطابع التشاركي والرقابي الذي يمارس من قبل المتساكنين.

وبالتالي، فان أي خرق لهذا البعد التمثيلي يفرغ المؤسسة البلدية من أحد أعمدتها ويفقدها الكثير من مقومات نجاحها في تسيير الشأن المحلي. وخير دليل على ذلك تجربة النيابات الخصوصية التي مرت بها البلديات خلال المدة الممتدة من 2011 الى 2018.

فعلى الرغم من ضرورة تركيزها حينها نظرا للوضع السياسي ما بعد الثورة، الا أن عملها طيلة هذه السنوات شابه

العديد من النقائص سواء في طريقة التسيير أو التأثير الإيجابي على الشأن والحياة البلدية ككل. وتعود أحد الأسباب الرئيسية لذلك الى آلية تعيين من ترأس وشارك في هذه الهياكل التي من المفترض أن تكون مهمتها مؤقتة في الزمن ومجالات العمل. وعليه، فان الحديث عن تعيين لجان مؤقتة للتسيير (ما يعرف سابقا بالنيابات الخصوصية)، يعد إعادة انتاج لآلية مؤقتة أثبتت ضعف نجاعتها، وتمهيدا لإمكانية افراغ التجربة البلدية من أهم مبادئها.

  • 3 - لأنه لا بد من مواصلة تثمين نجاح البلديات في مهامها.

تتأسس كذلك الدعوة الى التمسك بدورية الانتخابات البلدية الى المجهود الكبير الذي بذلته البلديات في تحسين الخدمات وتنمية المناطق الترابية على مختلف الأصعدة. بمتابعة الشأن البلدي بشكل متواصل، يمكن الجزم اجمالا بنجاح المؤسسة البلدية، مجلسا وإدارة، في سعيها الى تقديم خدمات إدارية عصرية والتركيز على برمجة وتنفيذ المشاريع التي تغطي مختلف الحاجيات اليومية للمتساكنين من تنوير عمومي وتعبيد للطرقات ورفع للفضلات وإنجاز

للمرافق الرياضية والثقافية...الخ. إضافة الى ذلك، لا بد من التنويه بأهمية المؤسسة البلدية لا فقط كمفتاح للتنمية، بل كذلك كفضاء طبيعي أول لممارسة الديمقراطية والتشاركية في عملية أخذ القرار.

لا يعني ذلك أن المدة النيابية البلدية لم تعرف نقائص أو اخلالات غطت العديد من الجوانب، غير أن كل تقييم للعمل البلدي، حتى يكون موضوعيا، يجب أن يأخذ في عين الاعتبار مختلف المعطيات والمعايير ومستويات التحليل حتى لا يتم تضخيم النقائص و تقليل الإيجابيات، والعكس بالعكس.

لا شك أن تقييم العمل البلدي يحتاج الى فضاء تحليلي أوسع، غير أنه يمكن القول اجمالا بنجاح التجربة البلدية خلال الخمس سنوات بالنظر لعدة أسباب. يمكن تلخيص أهم العوامل في السياق السياسي العام الذي تنزل فيه عمل البلديات والمتميز بضعف الدفع والإرادة السياسية لتجربة الحكم المحلي، علاوة على سقف الانتظارات المواطنية الذي كان عاليا مقارنة بالموارد المتوفرة. كما أن ضعف الإمكانيات المالية والبشرية التي لم تعمل الدولة على دعمها بالشكل الكافي، مثّل دون شك أحد أهم رهانات العمل البلدي خاصة مع بروز جائحة كورونا. من جهة أخرى، من الأهمية بمكان الإشارة الى حداثة المجالس البلدية وعدم استقرار بعضها وضعف التكوين وعدم استكمال الإطار القانوني والترتيبي المنظم للنشاط البلدي كمعيقات أثرت بشكل مهم في نجاعة المؤسسة البلدية ككل.

4 - لأنه يجب المحافظة على اللامركزية كإطار عام للمجالس البلدية.

إن إجراء الانتخابات البلدية لا يعد هدفا في حد ذاته، بل هو وسيلة ضرورية لكي تتواصل تجربة المجالس البلدية بفلسفتها واطارها العام القائم على التدبير الحر في إطار وحدة الدولة. هنا، لا بد من التوقف قليلا للتذكير بالفلسفة التي تقوم عليها اللامركزية: من جهة أولى، تدبير حر للشؤون المحلية وما يستتبع ذلك من اقرار وتفعيل للاستقلالية الادارية والمالية وممارسة صلاحيات واسعة والحاجة الى توفر موارد مالية وبشرية هامة. ومن جهة أخرى، الالتزام بوحدة الدولة كإطار وحدّ للتدبير الحر وما يترتب عنه خاصة من التقيد بالوحدة الترابية ووحدة المنظومة القانونية بمختلف مستوياتها.

بهذا المعنى الجديد، يعتبر مسار اللامركزية مسارا ثوريا من حيث إعادة تشكيل طبيعة وميكانيزمات العلاقة بين السلطة المحلية والسلطة الجهوية والمركزية القائمة، على عكس ما يمكن الذهاب اليه، على التكامل والتعاون فيما بينها، لا التنافر والتنازع نظرا لوحدة الهدف المنشود والمتمثل في خدمة المواطنين والمواطنات بشكل أفضل. غير أن هذا التغيير العميق، كأي تغيير جذري، يتوقف نجاحه على توفر العديد من العوامل السياسية والقانونية والإدارية والثقافية التي يتطلب تظافرها حيزا زمنيا هاما يتجاوز بكثير المدة النيابية الأولى للمجالس البلدية. من خلال ملاحظة عمل المؤسسة البلدية، يمكن القول بوجود علاقة تكامل وتواصل جيدة بين مختلف السلط في العديد من البلديات، كما يمكن كذلك القول بوجود عكس ذلك في العديد من البلديات الأخرى. يؤكد ذلك بشكل واضح على الطابع الفتي لتجربة اللامركزية التي لاتزال، كإصلاح جذري، في خطواتها الأولى.

لذلك، فان تقييم التجربة بعيدا عن الأحكام المسبقة والانطباعية والجزئية أمر ضروري لمحاولة تلافي النقائص وتثمين النقاط الإيجابية. وتمثل مجلة الجماعات المحلية والقانون الانتخابي أحد أهم الأعمدة التي تستند اليها تجربة اللامركزية. وعليه، فان اجراء الانتخابات البلدية يجب أن يقترن بعدم المساس بالمكاسب الانتخابية المتمثلة أساسا في ضمان تمثيلية كبيرة للشباب والمرأة وذوي الإعاقة داخل المجالس البلدية المنتخبة. إضافة الى المحافظة على المبادئ الجوهرية المكرسة بمجلة الجماعات المحلية والتي تهدف الى تكريس فعلي للتدبير الحر للبلديات في إطار التكامل مع السلط الجهوية والمركزية.

  • 5 - حتى لا تتحول المجالس البلدية إلى هيكل شكلي في إطار التصور السياسي الجديد.

يطرح إجراء الانتخابات البلدية في إطار نفس الرؤية والأسس التي إنبنت عليها صعوبة كبيرة لاصطدامها بالسياق السياسي الحالي المتميز بتصور سياسي غير مكتمل ومختلف للسلطة القائمة. حيث لا بد من وضع مسألة الشأن المحلي في إطار المشروع السياسي لرئيس الجمهورية، أو ما يعرف اختصارا بالنظام القاعدي.

يقوم هذا الأخير على ركيزة أساسية تتمثل في البعد الانتخابي من خلال تغيير جذري في فلسفة العملية الانتخابية في ثلاث أبعاد رئيسية: الانتخاب على الأفراد وتقسيم ضيق للدوائر

قائم على المعتمديات وآلية التصعيد من المحلي الى الوطني. ان الخطورة، بالنسبة للمجالس البلدية، تكمن في أن تؤدي طريقة الاقتراع على الأفراد الى ترجيح غلبة أصحاب المال والجاه على حساب البرامج الانتخابية، خاصة في إطار دوائر انتخابية ضيقة غير متكافئة من ناحية الثقل الديمغرافي وما ينتج عن ذلك من مس كبير من مبدأ المساواة في الأصوات، على غرار ما تم رصده في الانتخابات التشريعية الأخيرة. بالإضافة الى ذلك يتمثل الخطر الأكبر في أن تتحول وظيفة المجلس البلدي الرئيسية من هيكل منتخب يتداول ويتخذ القرارات المتعلقة بالشأن المحلي الى مجرد مجلس محلي مهمته تصعيد النواب من المحلي الى الجهوي فالوطني. بعبارة أخرى، يفقد المجلس المنتخب محليا مجال حركته الواسع لفائدة المجلس الوطني. أكثر من ذلك، يقوم التصور الجديد على اضعاف جميع المجالس المنتخبة محليا وجهويا ووطنيا لفائدة مركزة السلطة بيد الجهاز التنفيذي، وبالتحديد رئيس الجمهورية.

على الرغم من تبدد بعض المخاوف المتعلقة بعملية التصعيد من خلال اجراء انتخابات مباشرة لمجلس نواب الشعب، فان الخطر لا يزال قائما من خلال إمكانية اعتماد هذه الآلية بالنسبة للمجلس الوطني للجهات والأقاليم، خاصة في ظل عدم وجود أي بوادر لإجراء الانتخابات الجهوية والأقاليم. يزيد ذلك في غموض مصير المجالس المحلية ومن احتمال تعديل قواعد اللعبة السياسية بشكل يفرغ بشكل كبير من أهمية المجالس البلدية.

 تجدون ورقة السياسات تحت عنوان "لماذا يجب إجراء الانتخابات البلدية ؟" عبر هذا الرابط: https://bit.ly/3YpfyyB

Site créé et optimisé par Tac-Tic - https://tac-tic.tn