الجغرفة الرقمية في خدمة التنمية المحلية
تُجمع التقارير الأممية على أن التسليم بأهمية تكنولوجيا المعلومات الجغرافية أصبح أمرا ضروريا لتحقيق التنمية. وأنه لا مناص من رقمنة وتجميع هذه المعلومات لتكون قاعدة أساسية لبلورة الاستراتيجيات واتخاذ القرارات محليا ووطنيا.
من هذا المنطلق عملت الجامعة الوطنية منذ تركيز المجالس البلدية قبل أكثر من 3 سنوات، وفي إطار دورها لدعم القدرات البلدية، على تشجيع البلديات على الإنخراط في تجربة تركيز أنظمة المعلومات الجغرافية لما لها من دور مهم في جمع وهيكلة وتنظيم المعطيات وتحويلها إلى معلومات ومؤشرات لاعتمادها في اتخاذ القرار والتنمية المحلية.
وتتمثل أهم طرق الدعم والمساعدة التي توفرها الجامعة في:
- الدعم التقني من خلال تقديم المساعدة الفنية للبلديات التي ترغب في خوض هذه التجربة
- انشاء شبكة بلدية تجمع البلديات التي خاضت أو ترغب في وضع نظم الجغرفة الرقمية لدعم تبادل الخبرات وتعميم التجارب النموذجية. وهي شبكة البلديات المستعملة لنظم المعلومات الجغرافية Géo-Communes
- بعث 5 وحدات للجغرفة الرقمية في البلديات في إطار برنامج "دعم القدرات البلدية " PEC في كل من بلديات بن عروس، دار شعبان الفهري، المروج، القيروان، توزر.
ماهي الجغرفة الرقمية؟
تعرّف نسرين شحاتة رئيسة الجمعية الافريقية لتنمية الجغرفة الرقمية AGEOS، نظام الجغرفة الرقمية بأنها لقاء الجغرافيا بالإعلامية يعمل أساسا على تجميع البيانات التي يتم استغلالها لرسم الخرائط سواء تلك العادية المتعارف عليها التي يتم رسمها على الورق أو الخرائط الرقمية التفاعلية.
وتكتسي نظم الجغرفة الرقمية أهمية كبرى في العمل البلدي فزيادة على الخرائط يمكن الاعتماد على هذه التقنية في مجالات مختلفة حيث يمكن للبلديات أن تعتمد على هذه التقنيات عبر تحليل البيانات ذات الصبغة الجغرافية والمجمعة في شكل خرائط القيام بالدراسات واتخاذ القرارات على أساس صحيحة. كذلك فانه يمكن الاعتماد على نظم الجغرفة الرقمية في العمل اليومي للبلديات في مجالات مختلفة منها الطرقات وتسمية الشوارع أو أشغال الصيانة، التهيئة العمرانية، التنوير وغيرها. كما وضحت نسرين شحاتة ان نظم الجغرفة الرقمية تتجاوز رسم الخرائط وانما هي لوحات قيادة تمكّن من أخذ القرارات على أسس علمية.
تاريخ الجغرفة الرقمية في تونس
منذ سنة 1997 انطلقت تونس في برنامج الجغرفة الرقمية بهدف تركيز بنية تحتية جغرافية لفائدة جميع المستخدمين العموميين لكن هذا التجربة توقفت بسبب غياب التمويل. في هذا السياق تؤكد السيدة جيهان الغيلوفي مديرة إدارة التصرف في المعلومات بوكالة التعمير بتونس الكبرى أنه وبعد 20 عاما من هذه التجربة فان تركيز نظام المعلومات الجغرافية لا يزال دون المأمول بالنسبة للبلديات رغم ما يمثله من أهمية في تسهيل عملية التخطيط ومتابعة التنفيذ والتصرف البلدي في كل ما يتعلق بالعمل البلدي. معتبرة أن تعطيل الاعتماد على النظم الجغرافية الرقمية يعود لعدة أسباب أهمها عدم وجود قاعدة خرائطية تكون مرجعا لكل المستلزمين العموميين والخواص. وهي مهمة المركز الوطني للاستشعار عن بعد زيادة على تعطيل المشاريع الوطنية على مستوى المستلزمين العموميين التي يمكن ان توفر هذه المعطيات للبلديات.
كما بينت أنه وبعد صدور مجلة الجماعات المحلية سنة 2018 تم نقل العديد من الصلاحيات من المستوى المركزي إلى المستوى المحلي مما استوجب على البلديات، ولتتمكن من الاضطلاع بهذه الصلاحيات اكتساب الكفاءات وتنمية القدرات بما في ذلك الجغرفة الرقمية حيث تم في هذا السياق تطوير العديد من المشاريع المتعلقة بالانتقال الرقمي ووضع قواعد معطيات جغرافية في عدد من البلديات. ورغم التجارب الناجحة فأنها تبقى في حاجة الى تقييم حسب خصوصية كل بلدية ويمكن أيضا البناء عليها. (مزيد التفاصيل عبر الرابط التالي : https://www.youtube.com/watch?v=iW4cVsT8DLE&t=1s
تجارب بلدية ناجحة
يوضح السيد علي الخصيبي مدير قسم الإعلامية في بلدية سوسة أن بلدية سوسة: 2008 لم تكن التجربة ناجحة في بلدية سوسة لعدة أسباب أهمها غياب العنصر البشري المختص القادرة على تطبيق التجربة التي انطلقت على المستوى الوطني.
لكن بعد ذلك انطلقت بلدية سوسة في خوض تجربتها الذاتية عبر البحث عن موارد لتمويل برنامج الجغرفة الرقمية عن طريق مانحيين دوليين. بداية تم تدريب فريق عمل صلب البلدية على هذه التقنيات ومن ثمة انطلقت البلدية في الاعتماد على نظم الجغرفة الرقمية في جل المجالات التي تهم العمل البلدي.
من ذلك شبكة التنوير العمومي التي تم ادراج كل المعطيات المتعلقة بها ضمن بنك معلومات وقد تم الاعتماد في هذا العمل على مكتب دراسات مختص. موضحا أنه سيتم اعتماد هذه المعطيات الرقمية ضمن برنامج الاقتصاد في الطاقة. كما تم اعتماد الجغرفة الرقمية في مجال النظافة وهو ما مكن من الاقتصاد في معدل استهلاك المحروقات بحوالي 20 في المائة زيادة على ذلك فان البلدية تعمل على تحسين أداء الأعوان والآليات في مجال النظافة والعناية وبالبيئة من خلال تحسين المراقبة ورقمنة كل التدخلات اليومية. (مزيد التفاصيل عبر الرابط التالي : https://www.youtube.com/watch?v=t5teC5QOhKw
من جهته أكد السيد وليد بن معيز إطار مختص في الجغرفة الرقمية ببلدية جربة ميدون أن تجربة الجغرفة الرقمية انطلقت في بلدية جربة ميدون منذ سنة 2010 عبر انتداب إطار مختص من أجل رقمنة الخرائط الوثائقية الخاصة بالبلدية على أمثلة التهيئة ورخص البناء خاصة وأن بلدية جربة ميدون تتميز بمجال ترابي خصوصي باعتبار حدودها البحرية وكما أن الدوائر الخمس المكونة لبلدية جربة ميدون غير مترابطة وهو ما أثقل كاهل البلدية في إسداء الخدمات اليومية أو تهيئة هذه المناطق، وهو ما فرض على البلدية الإنطلاق في رقمنة أمثلة التهيئة العمرانية وكل ما يخص هذا المجال. كذلك الأمر فيما يتعلق بمطالب تسجيل العقارات حيث تمكن الجغرفة الرقمية من معرفة كل ما يتعلق بالعقار. كما تعمدت البلدية على الجغرفة الرقمية في اعداد الإحصاء العشري للعقارات المبنية وغير المبنية والذي يتم من خلاله تحديد العقارات المطالبة بخلاص الآداءات. (مزيد التفاصيل عبر الرابط التالي :
https://www.youtube.com/watch?v=g1zxUdzC9mA
في جانب آخر، وفي إطار تقييمها لواقع نظام المعلومات الجغرافية استخلصت الجامعة الوطنية للبلديات التونسية جملة من الإشكاليات على المستويين المحلي والوطني.
محليا فان أهم الإشكاليات تتلخص في غياب مصلحة تعنى بتركيز نظام المعلومات الجغرافية بالهيكل التنظيمي للبلديات، بالإضافة إلى عدم توفر الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال وضعف نسبة التأطير التي تعاني منها جل البلديات وغياب الموارد المالية المخصصة لهذا المشروع.
أما وطنيا، فتتمثل أهم العوائق في غياب بنية تحتية للمعطيات الجغرافية بالإضافة إلى عدم وضوح القوانين التي تنظم الحصول على المعلومات الجغرافية وخاصة الخرائط الرقمية، زيادة على التشعب القانوني لاستعمال آليات تطبيق وتنفيذ النظم المعلوماتية (استعمال الدرون على سبيل المثال).
كما تجدر الإشارة إلى غياب جهة مرجعية تمثل نظام الجغرفة الرقمية للبلديات وتباين الآراء والتوجهات لمختلف الفاعلين في القطاع وضعف التنسيق والمشاركة فيما بينهم.
وقصد تعزيز دعمها للقدرات البلدية في مجال الجغرفة الرقمية قامت الجامعة بإبرام اتفاقيات شراكة وتعاون مع الجمعيات العاملة في المجال وتمثيل البلديات لدى السلطة المركزية، لتمكينها من الحصول على الدعم والمساعدة في إرساء نظام الجغرفة الرقمية وهي كل من الجمعية الإفريقية لتنمية الجغرفة الرقمية ووكالة التعمير بتونس الكبرى. (مزيد التفاصيل عبر الرابط التالي : https://youtu.be/kOoXs2ehsPo
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول أو التسجيل لكي تتمكّن من الإطّلاع على التّعليقات و المشاركة فيها !